Saturday 13 September 2008

قصة قصيرة - 19 شارع التبانة


19 شارع التبانة
وقفت عربة الكارو التى يجرها حمار هزيل ، أمام مبنى البوستة بالقلعة ، كان عدد الركاب لا يزيد على أصابع اليد الواحدة ، ومع ذلك كان الحمار يبذل جهداً فائقاً لجر العربة ، فقد كانت الراكبات من السيدات ذوات الوزن الثقيل ، ركب البوسطجى بجانب إحداهن..
فقالت تداعبه وهى تراه محملا بالخطابات : ملاقيش جواب معاك من المنيل جوزى ؟؟ رد البوسطجى بإبتسامة : ياترى هوه مسافر .. ؟؟ردت ضاحكة : لأ ياروحى ، دا طفشان ، وسايب زوربة عيال غير التلات نسوان المتختخين دول وانا الرابعة .سألها ضاحكا : مدورتوش عليه فى مستشفى المجانين ؟؟ردت امرأة أخرى : ينيلك بوسطجى ، دا إحنا كنا مهنيينه ، ولا هارون الرشيد فى زمانه . راحت العربة تخترق شارع القلعة ، يرى على يساره مسجد السلطان حسن ببوابتة الضخمة المزخرفة ، وما زال يرى قلعة محمد على ترتفع شامخة . هبط البوسطجى أمام شارع الشماشرجى ، وبدأ جولته فى توزيع الخطابات ، حتى وصل الى شارع الدرب الأحمر ، فشارع التبانة ..
نعم هناك خطاب 19 شارع التبانة ، على ناصية عطفة الروم ، راح يحدث نفسه ، هذه أول مرة يدخل فيها هذا المكان ، إنه يعرف إنه حمام للسيدات . دخل ممر طويل ، وإنحرف يساراً ، الى ممر آخر ، تكاد تنعدم فيه الإضائة إلا من شباك منير فى أعلى الممر .رفع صوته بالنداء وهو يتقدم : الست أم عصام البنهاوية ، ولا أحد يرد ، فتقدم الى آخر الممر ، فأذا به يفضى الى صالة مربعة واسعة ، يشغل نصفها مصطبة تعلو عن الأرض نصف متر ، وقد رصت فوقها ملابس النساء الخارجية والداخلية ، وكان باب الصالة عبارة عن ستارة عريضة جداً من الكريبتون البنى الغامق .نظر حوله ، لم يجد أحداً، لكنة يصل الى سمعه ثرثرة النساء خلف الستارة ، نظر خلفه وأرهف السمع ، لا أحد قادم .إندفعت فى داخله رغبة فى أن يرى ما وراء الستار..تقدم ببطء ، وأزاح جزء من الستارة يتيح له الرؤية ، إنه كرنفال من النساء العاريات ، داخل الحمام البلدى الواسع جداً ، الذى تتوسطه فسقية مستديرة ترتفع عن الأرض حوالى ربع متر ، محاطة برخام فى عرض مترين ، الفسقية بها ماء ساخن ، وفى وسط الفسقية توجد غلاية مرتفعة بها الماء يغلى ، ويتسلل الماء منها من خلال صنابير خاصة لكى يعطى لماء الفسقية حرارته المطلوبة . كان الجو معبأ بالبخار ، ورأى النساء العاريات بعضهن داخل الفسقية يسبحن أو يأخذن حمام ساخن ، وبعضهن على الرصيف الرخامى حول الفسقية ، رأى إحداهن وقد رقدت على بطنها وإمرأة أخرى تدلك لها ظهرها وأردافها الممتلئة بترهل . رأى اُخرى جالسة القرفصاء وقد إنشغلت بتدليك جسدها بالصابون ، ورأى فتاة جميلة جالسة على الرصيف الرخامى ، وقد تدلت قدميها بداخل المغطس ، يبدوا أنها قد صعدت لتوها من المغطس ، فجسدها إكتسب اللون الأحمر الوردى ، يكاد الدم أن يتدفق منه ، كذلك نهديها المنتصبان كقباب تتحدى ، وشعرها الطويل الأسود وقد إسترسل على ظهرها وغطى ردفيها . لم يتمالك نفسه ، وجد نفسه كالمسحور يتجه نحوها بكل كيانه ، يريد أن يراها عن قرب ، أن يلمسها ..هل إنزلقت قدماه وهو يتقدم كالمسحور ؟؟
صرخت بعض النساء خوفا : آدم ، آدم . وبعضهن رددن ، إمسكوه ، كتفوه .. قام آدم من كبوته ، لكنه كان محاطاً بالنهود والأفخاذ من كل جهة ، قبلته شفاة ، وداست عليه أقدام ، مزقوا ملابسه ، رقصوا له كهارون الرشيد ، وبعد ذلك ، كتفوه ، وألقوا به داخل غلاية المغطس .. صرخ ، وصرخ ، ولم يسمعه أحد ، ذابت صرخاته وسط البخار .أفاق على وقع خطوات فى الممر ..
تراجع قليلا عن الستارة وهو يرفع صوته : الست أم عصام البنهاوية ، مفيش حد فى البيت ده ولا إيه ؟؟أسرعت الخطوات نحوه ، وأقبلت إمرأة ملهوفة قائلة : إيه فيه إيه ؟؟ دا مش بيت دا حمام .. فرد بوقار : بيت ، وللا حمام ، في واحده هنا إسمها أم عصام ؟؟ردت : أيوه ، أنا يأخويا ، فيه إيه ؟؟رد بسرعة : جواب عشانك مسجل ، تعرفى تمضى ؟؟أجابت : لأ ياخويا ، أنا بأبصم ..فرد : طب هاتى صباعك ..
وبقلم الكوبيا علم على إصبعها لأخذ البصمة ، وسلمها الخطاب وخرج ، وما زالت حرارة المغطس تغذى شحنات الرغبة التى إندفعت بداخله
.

No comments: