Thursday 4 September 2008

الدجاجة أولا _ أم البيضة _ 4

قلنا أن الأحلام تظهر أثناء النوم ، فى فترات الصفاء والشفافية العقلى ، عند خروج النفس فى نزهاتها الخاصة ، ولكن لماذا تخرج النفس تتجول ، وتترك الجسد ؟؟
ربما لأنها لا تجد منفعة من هذا الجسد النائم ، فهوفى حالة النوم لا يحقق لها أى رغبات
ويبدو أن الأحلام ، نوع من التنفيس ، لتحقيق رغبات النفس التى تبثها أثناء يقظته ، والتى لا يستطيع تنفيذها لسبب أو لآخر ، ولكن النفس تلح عليه ، فبالأحلام ، قد يحقق هذا التوجه ، وكأنه يريدالإتزان مع النفس ، وكأنه يخدعها ويقول لها :ها أنا حققت طلبك ، فإهدئى ، ولذلك لا يحاسب المرء على أحلامه ، فقد يمارس القتل ، أو يرتكب كل المحرمات ، ولكن يبدو أن النفس فى غالب الأحيان تشعر بالخداع ، أو إذا كانت تحت تأثير كائنات شيطانية ، فلربما تعيد الإلحاح على العقل فى يقظته ، وتجمل له الشر ، حتى يقع فى الخطأ ، بكامل وعيه ، وليس فى الأحلام ، وهنا يكون حقاً عليها العقاب ، ويبدو أن النفس تجزع وتندم ، وقد تكره هذا الجسد الذى تستخدمه فى تحقيق أغراضها ، التى قد تؤدى بها الى الهلاك ، وهكذا تظل النفس فى حالة تذبذب بين الخير والشر ، بين الهداية والضلال ، تعرف أين الخير ، وتكابر أو تهتدى ، وتعرف أين الشر ، فتبتعد أو تنزلق ، هذه هى النفس البشرية ، وهى ليست مثل النفس الحيوانية ، أو النباتية ، فتلك أنفس سيرت لعبادة الله ، تسبح له دوما ً ، وليس لها خيار آخر ، وتحكم مسيرتها فى الحياة بعض الغرائز ، التى تحفظ لها إستمرارها ، أو مواجهتها للمتغيرات ولذلك فشرورها ليست بالشرور المطلقة ، فالحيوان يهاجم الحيوان ويفترسه ، لأنه غذائه ، وهذا يهاجم النبات ليأكله ، لأنه غذائه ، فليست هناك عداوة مسبقة ، وقد يهاجم الحيوان الحيوان ليقتله ليس لأنه غذائه ، ولكن ربما لخوفه ، فغريزة الخوف تجعله إما أن يفر ، أويختفى ، أو يهاجم ، ليحمى نفسه ، أو يهاجم ويقاتل ليحمى مملكته ، زوجته وأولاده ، فالحيوان الأم تحنو على أطفالها ، وتزود عنهم وتقاتل فى شراسة ، أذا تعرضوا للخطر
لذلك فالغرائز تقى وتحمى وتنمى ، فلا جريمة هنا ، ولا حساب
حيوانات تأكل وتشرب وتتكاثر وتحب وتسبح ربها
ولكن النفس الإنسانية ، التى أودع الله فيها كل هذه الغرائز أيضاً ، أودع فيها العقل ، ليكون لها الإختيار فى أفعالها ، وتقبل على الله بعبودية كلها إختيار ، وحتى يكون هناك إختيار ، فلا بد أن يكون هناك الخير ، طريق الهدى ، والشر طريق الضلال ، وكان لا بد أن يكون الصراع للإنسان مع قوى الشر ، ولذلك كان خلق أبليس ، والله الذى خلقه ، يعلم مسبقاً ما سيفعله ليؤدى مهمته التى خلق لها ، فهى حكمة الله ، فخلقه وسط مجموعة من المخلوقات ، الجان والملائكة
الملائكة ، مسيرون ، مسبحون ، والجان ومنهم جماعة أبليس مخيرون ، ومعه جماعات من الخلق لهم طاقات ،قد تكون مختلفة عما نعرفه ، ومن عناصر ، قد تكون مختلفة عن عناصر الأرض
وكان حديث الله بأنه سيخلق فى الأرض خليفة ، الملائكة رحبوا بهذا الخلق الجديد ، وبالطبع فقد كان سابقاً لخلق أدم ، خلق الأرض بعناصرها ، وخلق النبات ، فتغذى على العناصر والماء ، ونما وترعرع ، وخلق الأسماك فى البحار والأنهار ، تتغذى على نباتات قد تنمو فى الماء ، أو على عناصر ذائبة فى الماء ، أو على نفسها
وخلق الطيور ، تسبح فى الهواء ، وتتغذى على الحبوب والنباتات
وخلق الزواحف ، وتتغذى على النباتات ، أو الأسماك
والحشرات ، تساعد فى تكاثر النباتات بنقلها لحبوب اللقاح من الذكر الى الأنثى
وجاء خلق كل هذا مسيراً
وعندما جاء وقت خلق الإنسان خليفة فى الأرض مخيراً ، رحبت الملائكة ،أما الجان ، وهى المخلوق المخير ، فقد وجدت منافساً جديداً قادماً
ولكنها رحبت بقدومه ، ما عدا ، جماعة أبليس ، وهى من الجماعات المخيرة ، التى تفكر ، وتعبد الله عن تعقل ، ولكن الغرور الذى أصاب إبليس ، وسوء تقديره ، فقد كان يتخيل أن عناصر النار التى خلق منها ، أفضل من عناصر التراب ، التى خلق منها آدم ، فكان إستكباره ، كيف يسجد لآدم ، وهو مخلوق من تراب ، وهو أفضل منه لأنه مخلوق من النار وكان ذلك فى علم الله الأزلى ، ولحكمته ، حتى يأتى مخلوق آخر مخير ، وأن يكون إبليس وذريته هم عناصر الشر ، ليزينو لهم الشر ، فإذا ضعفت النفس البشرية أمام غواياته ، فى نفس الوقت الذى يحيط بها نور الهداية ، فلها الخيار ، فيحق عليها العذاب أوالثواب ، وكأنها مسابقة يتعادل فيها مقومات عناصرها ، فكل ما تغريك به عناصر الشر متوافر بكل عناصر الخير وأكثر
ولا يكون حساب العدل إذا إختلت الكفتان ، لا بد أن يتساوى الميزان
ولنرى كيف يتجاذب الخير والشر النفس ، إذا وجدت فى جزيرة وليس فيها الا زوجتى ، وفيها ما لذ وطاب من الطعام ، فهل هناك فرق بينى وبين أى كائن آخر حيوان أو طير؟؟، بالطبع لآ ، فحياتى مسيرة وغرائزى تأخذ إتجاهاً واحداً ، فأنا لم أسرق ، لم أزنى ، لم أقتل ، ولم أشرب الخمر ، ولم أكذب ، أنا إذن إنسان خير ، كلا ، فلا يوجد هنا خيار لى ، لابد أن يوجد طرف ثالث يدخل حياتنا ، ويحاول التأثير فيها
ودخل أبليس حياة آدم وحواء ، وأوحى لهما أن يأكلا من الشجرة المحرمة ، التى كان الله قد حذرهما منها ، للإختبار
أى ياإنسان أمامك كل ما لذ وطاب أنت حر فيه ، ما عدا محظور واحد فقط ، وهو الأكل من هذه الشجرة ، ولكن أبليس أخبرهما أنها شجرة الخلود ، وراح يزين لهما ، حتى نسيا ، وأكلا من الشجرة ، ورسب الإنسان فى أول وأبسط إختبار
وكان لا بد أن يحدث ذلك ، لحكمة الله ، أولا لكى يعلم الإنسان أن الشيطان له بالمرصاد ، فيحذره
وأوحى الله لآدم بكلمات يرددها ليعلمه التوبة ، انه الرحمن الرحيم ، وليفتح باب التوبة للإنسان الذى قد يقع فى الخطأ
ويبتعد عن طريق الهدى
وغدأ نكمل مسيرة آدم وحواء على الأرض .

No comments: