Tuesday 9 September 2008

الدجاجة أولا - ام البيضة - 9

إن هؤلاء المتشددين والمتطرفين لم يفهموا الكون على حقيقته ، ولا حتى الأديان والرسالات
فالدعوة الى طريق الهدى تكون بالحكمة والموعظة الحسنة ، وليس بالضرب والقتل والتكفير وإستباحة الدماء ، إلا إذا تعرض الداعى الى المقاتلة ، أما محاولة أن نفرض بالقتال والضرب المجتمع المؤمن المثالى ، الذى لا توجد فيه الفواحش ، فهذا لن يحدث ، لأن حكمة الله فى خلق آدم هكذا ، أن يكون هناك الإختيار ، فوجود الشرور ضرورة هنا ، وإلا ما أمهل الله إبليس حتى قيام الساعة
إذن فلا بد من وجود الشر ، ولابد أن توجد الرسالات لتنير الطريق للدعوة ، ولا بد للإنسان أن يخطىء ، وأن يستغفر سورة آل عمران ، آية 135 ( والذين إذا فعلو فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون )
إن هذا لدليل على أن الإنسان فى صراعه وتأ رجحه بين الخير والشر ، سيخطىء وقد يرتكب الفواحش ، وقد يتوب ويستغفر ربه ، عند رؤيته لنور الهداية ، ويلوم نفسه ، وليس لأن هناك من يرهبه ويضربه
إن رسول الله يستغفر ربه ، فعن أبى هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذى نفسى بيده لو لم تذنبوا لذهب الله تعلى بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم ) رواه مسلم
وعن أبى هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله أنى لأستغفر الله وأتوب اليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة ) رواه البخارى
وحديث قدسى ، عن أنس رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( قال الله تعالى :ياإبن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، ياإبن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم إستغفرتنى غفرت لك ولا أباللى ، ياإبن آدم إنك لو أتيتنى بقراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرك بى شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة ) رواه الترمذى
بكل هذا ، بآيات الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وما زال هناك من يكابرون ، وكأنهم قد نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين ، يحرمون ويحللون ،ويكفرون ويغيرون المنكر بالبطش والقتل ، ولا يعلموا أنهم هم الأكثر بعداً عن الدين ، وهم الذين ينشرون فى الأرض الفساد ، فالإرهاب هو أكبر صور الفساد
أنظر الى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أحل الله فى كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فأقبلوا من الله عافيته ، فإنه لم يكن لينسى شىء )
ولكن الإرهابيون بإسم الإسلام ، والأسلام منهم برىء ، يحرمون ويحللون من عند أنفسهم ، ويكفرون ويعطون صكوك الإيمان والغفران من عند أنفسهم ، متى يفيق هؤلاء ؟؟ويعود اليهم وعيهم ؟؟
كيف تكفر إنساناً لم يشرك بالله ؟؟حتى لو كان يرتكب كل الفواحش ؟؟
كيف تجرؤ على أن تقتله ، وهو لم يقاتلك ؟؟
هل علمت الغيب ؟؟ فإنه لربما هذا الإنسان الذى إرتكب كل الإثموالفواحش طوال حياته ، ربما أفاق وسما عقله وفكره ، وتسامت نفسه وأقبل على طريق الهدى بكل جوارحه ، بإيمان عقلانى زاتى ، وليس تحت أى تأثير إرهابى
وكيف تحكم بقوة إيمانك فى شبابك ، وقد تتعرض لإغواء الشيطان فى شيخوختك فتضعف وتغرق فى الرذائل والمنكرات والفواحش ؟؟ هل معك تأكيد بأنه لن يحدث لك ذلك ؟؟ وأنه لو حدث فأنك ستنجح فى الإختبار
ستقول ( لو كنت منصفاً فى قولك ) : أننى لا أعلم الغيب ، الله وحده عالم الغيب
إذن لا تكون مغروراً ، حتى لو كان بإيمانك ، فالإيمان يجب أن يهذب نفسك ويزيد من تواضعك وإتزان عقلك وقلبك ، وأن تهدى الى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وليس بالجنازير والسلاسل والسيوف والسكاكين
وكن على يقين ، بأن الأرض خلقت دار إختبار ، ولا بد أن يكون فيها الفساد بجانب الخير
، وبأنك لن تجعلها جنة ، فأنت بهذا ضد إرادة الخاق وحكمته
كل ما عليك أن تحارب الفساد فى نفسك ، وتتغلب على نزعات الشيطان داخلك ، وأن ترعى أسرتك وتهديها وترشدها بالحكمة والموعظة الحسنة والصبر الجميل ، وأن تهدى أ صدقائك ومعارفك بالكلمة الطيبة ، هذا هو طريق الدعوة فى حدودك
وإمام المسجد والعلماء لهم حدود أكبر ولكن بنفس الحكمة والكلمة الطيبة والإرشاد المستنير الصحيح البعيد عن الغلو وهذه حدودهم
ثم الحاكم والحكومة ، اى الأفراد المخولين من الشعب بتولى مسؤلية المجموع لما فيه الصالح العام ، فكل فى نطاقه مسؤل عن سد الذرائع ايضاً والتوجيه إعلامياً ، وتطبيق القوانين والعقوبات على من يعيث فى الأرض فساداً ، ويهدد أمن المجموع بإرهابه الفكرى أو المعنوى أو المادى
وهناك قصة تحضرنى
أن شيخا عالماً مر على قروى ، وكان الشيخ سيركب فلوكة لتعديه الى البر الثانى من الترعة ، وعندما إقترب أكثر لاحظ أن القروى يصلى بطريقة خاطئة ، فما كان منه إلا أن عنفه وقال له لا تقبل صلاتك هكذا
فطلب منه القروى أن يعلمه ، فراح يعلمه كيف يصلى ، ثم تركه وركب الفلوكة
وفى منتصف الطريق فى الماء سمع صوت القروى يناديه ، فإلتفت نحوه فوجده يجرى فوق سطح الماء حتى وصل اليه وهو يقول له : ياسيدنا الشيخ ، لقد نسيت بعض ما ذكرته لى فى صحة الصلاة
فنظر إليه الشيخ العالم وقال له : بل أنت سيدى ، إذهب الى ربك وصلى كما كنت ، ولا تنس أن تدعو لى بالهداية

ألا نأخذ من هذه القصة عظة ، ألا نحكم بالمظاهر ، وأن علاقة الإنسان بربه علاقة لا يستطيع أى إنسان أن يقيمها
ونستفيد أيضا من هذه القصة بأن لا نعنف إنساناً ، ونصفه بالجهل
والآن ، فما بالك لو حدثت هذه الحادثة اليوم ، وكان أحد المتطرفين رأى هذا القروى يصلى بطريقة خاطئة ، فهو لن يعنفه فحسي ، بل سيصفه بالكفر
ان الله قادر على كل شىء ، لو أراد أن يجعل هذا الكون بلا أخطاء ، لقال كن فيكون
إنه خالق لناموس الحياة ، وهو وحده القادر على كسر ناموس الحياة
أنه كسر الناموس لهذا القروى البسيط فراح يجرى على سطح الماء وكأنه يسير على سطح الأرض
ويرى الإنسان هذا ، ويصفه بأنه شيىء خارق ، أى خارق للعادة ، ضد قانون الجاذبية التى عرفناها
والخوارق تعرفنا ، لمن يتدبر الكون بعقله ، بأن هناك خالق لهذا الكون ، يسيره بنظام ، وهو القادر على أن يكسر هذا الناموس ، فهو القادر ، وحتى لا يسأل الإنسان أيهما بدأ أولا خلق الدجاجة أم خلق البيضة ؟؟
وغداً نكمل

No comments: