Friday 19 September 2008

قصة قصيرة - البوم الصور


البوم الصور

كانت صورة زوجته أمامه ، منذ لحظات ، فى البوم الصور ، على سريره المنكوش ، الذى هو صورة من غرفته التى تدب فيها الفوضى فى كل ركن من أركانها ، فهذه ثيابه ملقاة على مقعد بلا عناية ، وبعض الجوارب المتسخة بجانب الدولاب ملقاة على الأرض ، وبجانبها بعض ثياب العمل المتسخة ، وعلى الطاولة الصغيرة ، تزدحم أكواب الشاى والقهوة المتسخة وتتناثر أيضاً بعض الفاكهة ، وعلى تلك الطاولة ، بجانب السرير توجد أيضاً قوقعة لإطفاء السجائر كانت مليئة بالأعقاب والرماد ، وعلى الطاولة توجد زجاجات الشراب .
كان يجلس على حافة السرير ، وقد صب لنفسه كأسا من الشراب ، كان يستعرض صور العائلة فى البوم صغير ، ومنذ لحظات ، كانت صورة زوجته أمامه ، وإختفت ، راح يبحث عنها بين طيات غطاء السرير ، لم يجدها ، رفع كل الأغطية والملائات من على السرير ورجها ، لم يجدها . القى بكل الأغطية على السرير المنكوش ، وجلس على حافة السرير ، صب لنفسه كأساً آخر من الشراب ، وقد أعياه البحث عن الصورة ، رفع الكأس وأفرغها فى فمه دفعة واحدة ، مسح فمه بطرف ذراع البيجاما ..
سمع صوتا خفيفاً من بين أغطية الفراش على سريره المنكوش ، إنتبه لمصدر الصوت ، فشاهد الأغطية تتحرك وترتفع وكأن بداخلها شىء ينتفخ ويكبر ، إنكمش مذعوراً فى أقصى طرف السرير ، وإصطكت أسنانه بعضها ببعض ، وهو يشاهد الأغطية وهى تهبط من على سريره المنكوش وبداخلها الشىء الذى ينتفخ ويكبر ، وراحت تتحرك على أرض الغرفة التى دبت فيها الفوضى فى كل ركن من الأركان ، وفى منتصف الغرفة توقفت الأغطية عن الحركة ، وبدأت البطاطين تسقط على الأرض ، ثم ملاءة السرير ، وأذا به وجها لوجه أمام زوجته .
كانت تنظر إليه بعينيها الجميلتين ، حاول أن يتكلم ، فلم يستطع ، ماذا يحدث بحق السماء ؟؟ أنها منذ لحظات كانت صورة داخل ألبوم الصور ، ثم ما هذا الذى تفعله ؟؟ إنها تخلع فستانها الأبيض المزخرف بالورود ، وقميص نومها النيلون الشفاف ..
إمتلك كل شجاعته وتكلم ، سألها : ماذا تفعلين ؟؟ وكيف أتيت إلى هنا ؟؟
لم ترد على أسئلته ، وتابعت خلع ملابسها حتى أصبحت عارية بجمال إفروديت ..
قام من على حافة السرير ولكنه لم يتحرك ، فجلس ثانية ، وراح يفرك عينيه بيديه ، وحدث نفسه : هل أنا فى حقيقة أم خيال ؟؟ هل هذا تأثير الإفراط فى الشراب ؟؟ ولكنى متيقظ ، والد ليل أننى أفكر ، وسأشعل سيجارة الآن ، هذه هى السيجارة وهذه هى الولاعة ..
وحرك إصبعه على الولاعة ، فإرتفعت شعلة صغيرة من اللهب ، أشعل سيجارته ..
حدث نفسه : نعم أنا متيقظ ، وما أراه ليس حلما ً ..
نظر إليها ، لم يستطع أن يحدد أى إنفعالات على وجهها ، وكأنه أمام تمثال جميل لإفروديت ، أنه يتذكر يوم رسم صورتها أول مرة ، كما هى الآن ، بهذا الجمال الساحر ، الشعر الأسود والخدود المتوردة ، الشفتان اللتان تحملان أجمل إبتسامة ، العينان العسليتان ذات الرموش الطويلة ، وثدييها الناهدان وذراعيها البضتين وخصرها النحيف وقدها المياس ، كانت ترفع ذراعيها فوق رأسها ، كم هى جميلة .
وقف مرة أخرى ، وتحرك خطوة نحوها ، حدثها وسألها : كيف أتيت؟؟ إننى لست أحلم ، أليس كذلك ؟؟ أنت حقيقة ، أليس كذلك ؟؟ أستطيع أن ألمسك ؟؟ لماذا لا تتكلمين ؟؟ إنك أنت أنت ، وأنا أنا ، أنا سعيد لرؤياك ، صحيح أنا رجل علم ، لا أؤمن بالخرافات ، وأن تتحول الصورة الى جسد يتجسد فى الواقع ، وأن ما يحدث هذا ... لحظة من فضلك ، أنا لست سكراناً ، لماذا لا تتكلمين ؟؟
عامة ، أنا سعيد لرؤياك ، سعيد جداً ، أنت تعلمين مدى حبى وشوقى لك ؟؟ هيا تعالى بين أحضانى ، وضع الكأس على المائدة وأطفأ السيجارة ، وتوجه إليها فاتحاً ذراعيه ، خطوه ، والثانية ، ثم توقف وتراجع ..
فقد بدأت تتكلم .
كانت جميلة ، لكنه لم يستطع أن يحدد إنفعالات وجهها ، هل هى سعيدة ؟؟ غاضبة ؟؟ تحبة ؟؟ تكرهه؟؟ لا يعلم ، صب لنفسه كأساً وراح يرتشفها وأشعل سيجارة ، إنها تتكلم ، ولا يفهم شيئاً ..
نظر إليها ، فإذا بوجهها يتغير وجسدها يتبدل ، هالات تظهر حول عينيها وتجاعيد وخطوط تتكاثرعلى خدودها وعلى الرقبة ويتهدل الثديان ويتحول الشعر الى الأبيض الفضى ، كل هذه التحولات تتم أمام عينيه...
وهى تتكلم ، ولا يفهم ..
وكيف يفهم وهى تتحدث بسرعة مرور سنوات العمر فى هذه الفترة الوجيزة ، كان ما زال بالقرب منها ، لا تبعده عن هذه التغيرات سوى خطوة واحدة ، وقف أمامها مشدوهاً...
وكانت ما زالت تتكلم ..
ماذا يحدث بحق السماء ، وماذا تقول له ؟؟ هل تعاتبه ؟؟ هل تلومه ؟؟ هل هى حقيقة ؟؟ هل هو تحت تأثير الشراب ، أنه حقا يشرب حتى ينسى نفسه وهموم غربته ، وينام لينسى سنوات العمر التى تذوب بسرعة أو كخيط من الحرير ينساب بسرعة من بين أصابعه المرتعشة على كأسه الفارغة .
إستدار ليعيد الكأس الى مكانها فوق الطاولة الصغيرة بجانب سريره المنكوش ، أو ليملأها !! وكانت تفصله خطوة واحدة عن زوجته ، وخطوة أخرى عن الطاولة الصغيرة .
خيل اليه أنه سمع شيئاً ما قد فهمه ، كان الصوت يقول ، أن هناك شيئاً ما خطأ فى هذه الحياة ؟؟
إلتفت خلفه الى مصدر الصوت ، فلم يجد شيئاً ، حتى زوجته ، تلفت فى أرجاء الغرفة المنكوشة ، فلم يجد شيئاً .
جلس على حافة سريره المنكوش ، وبدأ يفرغ محتويات الزجاجة فى كأسه وهو يقلب البوم الصور .. وفجأة ، وجد صورة زوجته ، فى مكانها مرة أخرى ، من البوم الصور !!!

No comments: