Saturday 6 September 2008

الدجاجة أولا - أم البيضة -6

وهناك حاسة الشم ، وقد إستخدم الإنسان العقل فى الإستمتاع بحاسة الشم ، فهو يستنشق العطور والرياحين فيشعر بمتعة ، وراح يبتكر ويستخلص العطور من الزهور ، ويصنع البرفانات المختلفة ليستمتع برائحتها ، كما أنه كانت فى الأساس وما زالت عند كافة الكائنات حاسة الشم هى لإيجادالتقارب بين الذكر والأُنثى ، ففى فترات الإخصاب ، تفرز غدد خاصة فى الأُنثى عطراً مميزاً ، فيستنشقه الذكر فيحفز فيه الرغبة لجماع الاُنثى ، لإشباع إحدى الغرائز بهدف التكاثر ، وذلك لحفظ النوع
وإن كان الوضع فى الإنسان يختلف ، فليست الغريزة عنده لحفظ النوع والتكاثر فقط ، ولكن للمتعة والإستمتاع ، ولذلك فإن الكائنات الحية الاُخرى لها مواسم معينة للتزاوج ، وبعدها لا ترغب الأُنثى فى إقتراب الذكر منها ، بل فى بعض الكائنات يكون يوم التزاوج هو النهاية ، ووفاة الزوج ، لأنه أدى مهمته ، ولم يعد له لزوم ، فالعقرب الاُنثى بعدالجماع تلدغ الذكر فتقتله ، وكذلك فى مملكة النحل ، حيث يجلس الذكور يأكلون ويشربون ولا يعملون شيئاً ، حتى تحين طقوس الزواج ، فتطير الملكة وخلفها الذكور ، ويتساقطون واحداً وراء الآخر لعدم اللحاق بها ، حتى إذا كان آخرهم ، هدئت من سرعتها ، وسمحت له بالجماع ، ثم يكون موته
أما فى الإنسان ، فطاقاته متجددة دوماً ، سواء فى الفترة التى يكون الرحم فيها مستعداً للإخصاب والبويضة فى أوج إكتمالها ، أو فى غير هذا التوقيت
فالعقل دائماً وراء كل إستمتاعات الكائن البشرى بكل حواسه ، بكل مقومات الحياة ، وهو القادر على السمو ، والتفكير ، والتدبر ، والتعلم والإبتكار
وكلما زاد العلم ، وسما التفكير ، وحسم الصراع بين الخير والشر ، كان طريق الهدى والنور والخضوع والخشية لرب هذا الكون البديع ، يقول الله عز وجل ( انما يخشى الله من عباده العلماء ) ، فكثيرون يعبدون الله ، ولكن أكثرهم خشوعاً وخشية هم العلماء ، لأنهم بإستخدامهم العقل فى التفكر والتدبر والنظر الى إبداعات الله فى كونه ، يصلون الى الحقيقة عن طريق العقل لعظمة الخالق ، لأن الحقيقة وبكل ما وصل إليه العلم وسيصل ، وكل هذا ذرة فى محيط علم الله ، القادر على كل شىء ، العليم الحليم الذى خلق كل شىء بقدر وقدره تقديراً ، فهذا الكون لم يخلق عبثاً
الله يقول ( ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ) ، فهذه النفس البشرية فى صراعها بين الخير والشر ، وإحتكامها للعقل ، تلهم بالفجور وبالتقوى ، فالشياطين تبث إليها الغواية والتوجه للشر ، والملائكة تبث لها التحذير وتوجهها للتقوى ،
وكان لا بد للشيطان أن يلعب من خلال الحواس البشرية ، فقد وجدت لتؤدى دوراً ، ولسعادته وإستمتاعه
فتلعب الشياطين على حاسة السمع ، ليسمع الإنسان النميمة والغزل والنفاق .
ويلعب الشيطان على حاسة البصر ، ، ليرى الإنسان الجمال الجسدى الأنثوى فى زوجة جاره ، وأخت صديقه ، وإبنة أخيه ، وقد يصل الى أمه ، واذا كان ضعيفاً تسارعت دقات قلبه وتدفق الدم فى عروقه ، وأثيرت غرائزه
وقد يلعب الشيطان على حاسة الشم ، ليجد الإنسان الإستمتاع فى شم أشياء قد تغيب الذهن ، وترفق فى خيالات مريضة وكذلك حاسة الذوق ، ليأكل ويشرب ويستمتع بطعم مواد مخدرة ومشروبات مسكرة ، تفقد العقل يقظته وإتزانه وتساميه وحاسة اللمس ، ليستمتع بنشوة التلامس للأجساد المتلاصقة فى زحام مثلا ، أو غيره
ولكن أليس هذا جميلا ، ألم توجد الحواس لإشباع هذه السعادة والإستمتاع بها ، فها قد فعل الشيطان وأوحى للنفس بدغدغة حواسها ، فما هو الخطأ ، وهل تأتى الملائكة لتوحى للنفس بأن هذا خطأ ، لماذا ؟؟؟ ما دامت هذه الحواس قد خلقت لتمارس مهامها فى الكون ، هل هناك حدود ؟؟ ولماذا؟؟
إذا نظرنا الى الكائنات الأخرى فهى تؤدى دورها المسيرة له ، ولإنها بلا عقل فلا يوجد الإستمتاع ، وإن كانت هناك غرائز ، ولكنها لتؤدى غرضها ، الجوع للطعام حتى لا يندثر النوع ، والخوف أو الإقدام لحماية النوع ، وكل هذه الكائنات لها صفات غريزية ، كالأمومة ، والتقارب للذكر والأنثى ، والتملك والدفاع عن المملكة ، ولكن بلا جور ، فكل يدافع عن دائرته ، ولا توجد كراهية ، وإن كانت توجد غريزة الغضب ، كفعل ، ورد فعل
ولكن الإنسان إتصف بكل الصفات وبنقيضها ، فهو يحب ويكره ، ويكون شهما ثم نذلا ، يكون ورعاً ثم فاجراً ، أميناً ثم لصاً أو حتى قاتلاً ، ودوداً ثم مخادعاً ، يتلون بكل الألوان ، وكان لا بد من وضع حدود لحركته ، وذلك لصالحه وصالح المجموع ، وكان لا بد من ظهور الرسل والأنبياء ، يأتون بألمنهاج الصحيح ، ورسم حدود الحركة ، هنا فقط تقيد الحواس ، فهى لم تخلق للعبث ، بل لتمارس مهامها ، وبحرية ، فى حدود حريات الآخرين ، هذا منهاج العدل ، وهنا إذا لعب الشيطان على الحواس ووجه النفس الى الفجور ، فإن الملائكة تلهم النفس بطريق الهدى ، وكأنها تقول لهذه الحواس مذكرة إياها دوماً : هناك طريق الصلاح ، أسمع الى الرسل ، شاهد جمال الكون ، أمامك طريق النور ، إسمع كلام ربك ، وخالقك ، وهوالذى منحك كل هذه النعم لتسعد ، فلك أن تشكره ، بأن تطيعه فيما يريد ، وتبتعد عما لا يريد ، وإستعمل عقلك فى ذلك ، فستجد أنه الطريق الصحيح ، لم لا تقبل على الله مختاراً ؟؟ مقتنعاً ، نظير كل ما منحك إياه ، ووفره لك لإسعادك
لماذا ، بكامل حرية تفكيرك ، بعد أن أرسل لك الرسل ، وجعلك ترى طريق الصواب ورسالة السماء ، فلماذا تبتعد ؟؟؟
أهل يعطيك الشيطان شيئاً أفضل ؟؟
إذن هذه النفس البشرية التى الهمها فجورها وتقواها ، فكما ان الشيطان يلهمها الفجور بلعبه على الحواس ، ويحاول تذكية تناقض الصفات البشرية ، فها هى الملائكة تقوم بدورها وتلهم النفس طريق الهدى ، الذى أرسل الله رسله لينيروا الطريق أمام الإنسان ، وحتى يكون الإختيار ، وهو سبب وجود العقل ، فإما أن تتبع الهدى ، فلا تضل ، وإما أن تعرض ، وكلاهما بإ رادتك المخيرة ، ولذلك لا يلهم الشيطان النفس بشىء إلا وترد الملائكة بإلهام النفس وفى نفس اللحظة
فإذا قال الشيطان : إقتل ، تقول الملائكة : لا تقتل ، ويحاول الشيطان أن يزين لك القتل ، فيحاول أن يرفع من درجة غضبك مثلا ، فيندفع القلب دافعاً الدم فى الشرايين ، وهذا هو القلب المستثار الضعيف ، لأن القلب القوى ، هوالقلب الذى لا يستثار إلا فى الحق ، وهنا الملائكة تبين لك خطأ القتل ، وتتنازع الفكرتان داخل العقل ، ويكون الإختيار ، هى لحظة ضعف ، أولحظة قوة ، يتحمل نتيجتها الإنسان ، بما إتخذه من قرار
يقول لك الشيطان إسرق ، ويزين لك السرقة ، إزنى ، ويزين لك الرزيلة ، ولكن فى نفس اللحظة تقول لك الملائكة : لا تسرق ، هذه هى حدودك ، لا تزنى ، هذه هى حدودك ، إنها تبصرك بالمنهاج التى أتت به السماء ، ومن أجله جائت الرسل ، وحتى لا تكون لك حجة ،لا تقول : لم أكن أعرف
ولكن إذا كنا نتكلم عن العقل ، فما دخل القلب ؟؟ وهل هو الآخر له القدرة على التفريق بين الخير والشر
وغداً نكمل

No comments: